الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.إمارة تورون ثم وحشته مع المتقي. لما سار سيف الدولة عن بغداد دخلها تورون آخر رمضان سنة إحدى وثلاثين فولاه المتقي أمير الأمراء وجعل النظر في الوزارة لأبي جعفر الكرخي كما كان الكوفي ولما سار تورون عن واسط خالفه إليها البريدي فملكها ثم انحدر تورون أول ذي القعدة لقتل البريدي وقد كان يوسف بن وجيه صاحب عمان سار في المراكب إلى البصرة وحارب ابن البريدي حتى أشرفوا على الهلاك ثم احترقت مراكب عمان بحيلة دبرها بعض الملاحين ونهب منها مال عظيم ورجع يوسف بن وجيه مهزوما في المحرم سنة اثنتين وثلاثين وهرب في هذه الفتنة أبو جعفر بن شيرزاد من تورون فاشتمل عليه وكان تورون عند إصعاده من بغداد استخلف مكانه محمد بن ينال الترجمان ثم تنكر فارتاب محمد وارتاب الوزير أبو الحسن بن مقلة بمكان ابن شيرزاد من تورون وخافا عائلته وخوفا المتقي كذلك وأوهماه أن البريدي ضمنه من تورون بخمسمائة ألف دينار التي أخذها من تركه يحكم وأن ابن شيرزاد جاء عن البريدي ليخلفه ويسلمه فانزعج لذلك وعزم على المسير إلى ابن حمدان وكتبوا إليه ان ينفذ عسكرا يسير صحبته..مسير المتقي إلى الموصل. ولما تمت سعاية ابن مقلة وابن ينال بتورون مع المتقي اتفق وصول ابن شيرزاد إلى بغداد أول اثنتين وثلاثين في ثلمائة فارس وأقام بدست الأمر والنهي لا يعرج على المتقي في شيء وكان المتقي قد طلب من ناصر الدولة بن حمدان عسكرا يصحبه إلى الموصل فبعثهم ابن عمه أبو عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان فلما وصلوا بغداد اختفى ابن شيرزاد وخرج المتقي إليهم في حرمه وولده ومعه وزيره وأعيان دولته مثل سلامة الطولوني وأبي زكريا يحيى بن سعيد السوسي وأبي محمد المارداني وأبي إسحق القراريطي وأبي عبد الله الموسوي وثابت بن سنان بن ثابت بن قرة الطبيب وأبي نصر بن محمد بن ينال الترجمان وساروا إلى تكريت وظهر ابن شيرزاد في بغداد وظلم الناس وصادرهم وبعث إلى تورون في واسط بخبر المتقي فعقد ضمان واسط على ابن البريدي وزوجه ابنته وسار إلى بغداد وجاء سيف الدولة إلى المتقي بتكريت ثم بعث المتقي إلى ناصر الدولة يستحثه فوصل إليه في ربيع الآخر وركب المتقي من تكريت إلى الموصل وأقام هو بتكريت وسار تورون لحرب فتقدم إليه أخوه سيف الدولة فاقتتلوا أياما ثم انهزم سيف الدولة وغنم تورون سواده وسواد أخيه ولحقوا بالموصل تورون في اتباعهم ثم ساروا عنها مع المتقي إلى نصيبين ودخل تورون الموصل ولحق المتقي بالرقة وراسل تورون بأن وحشته لأجل ابن البريدي وان رضاه في إصلاح بني حمدان فصالحهما تورون وعقد الضمان لناصر الدولة على ما بيده من البلاد لثلاث سنين بثلاثة آلاف وستمائة ألف درهم لكل سنة وعاد وتورون إلى بغداد وأقام المتقي وبنو حمدان بالرقة..مسير ابن بويه إلى واسط وعوده عنها ثم استيلاؤه عليها. كان معز الدولة بن بويه بالأهواز وكان ابن البريدي يطمعه في كل وقت في ملك العراق وكان قد وعده أن يمده واسط فلما أصعد تورون إلى الموصل خالفه معز الدولة إلى واسط وأخلف ابن البريدي وعده في المدد وعاد تورون من الموصل إلى بغداد وانحدر منها للقاء معز الدولة منتصف ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاثين واقتتلوا بقباب حميد بضعة عشر يوما ثم تأخر تورون إلى نهر ديالي فعبره ومنع الديلم من عبوره بمن كان معه من المقاتلة في الماء وذهب ابن بويه ليصعد ويتمكن من الماء فبعث تورون بعض أصحابه فعبروا ديالي وكمنوا له حتى إذا صار مصعدا خرجوا عليه على غير أهبة فانهزم هو ووزيره الصهيري وأسر منهم أربعة عشر قائدا واستأمن كثير من الديلم إلى تورون ولحق ابن بويه والصهيري بالسوس ثم عاد إلى واسط ثانية فملكها ولحق أصحاب بني البريدي بالبصرة..قتل ابن البريدي أخاه ثم وفاته. كان أبو عبد الله بن البريدي قد استهلك أمواله في هذه النوائب التي تنويه واستقرض من أخيه أبي يوسف مرة بعد مرة وكان أثرى منه ومال الجند إليه لثروته وكان يعيب على أخيه تبذيره وسوء تدبيره ثم نمي الخبر إليه أنه يريد المكر به والاستبداد بالأمر وتنكر كل واحد منهما للآخر ثم أكمن أبو عبد الله غلمانه في طريق أبي يوسف فقتلوه وشغب الجند لذلك فأراهم شلوه فافترقوا ودخل دار أخيه وأخذ ما فيها من الأموال وجواهر نفيسة كان باعها له بخمسين ألف درهم وكان أصلها ليحكم وهبها لبنته حين زوجها له وأخذ يحكم من دار الخلافة فاحتاج إليه أبو عبد الله بعد فباعها له وبخسه أبو يوسف في قيمتها وكان ذلك من دواعي العداوة بينهما ثم هلك أبو عبد الله بعد مهلك أخيه بثمانية أشهر وقام بالأمر بعده بالبصرة أخوهما أبو الحسن فأساء السيرة في الجند فثاروا به ليقتلوه فهرب منهم إلى هجر مستجيرا بالقرامطة وولوا عليهم بالبصرة أبا القاسم ابن أخيه أبي عبد الله وأمد أبو طاهر القرمطي أبا الحسن وبعث معه أخويه لحصار البصرة فامتنعت عليهم وأصلحوا بين أبي القاسم وعمه ودخل البصرة وسار منها إلى تورون ببغداد ثم طمع يأنس مولى أبي عبد الله في الرياسة وداخل بعض قواد الديلم في الثورة بأبي القاسم واجتمع الديلم إلى القائد وبعث أبو القاسم وليه يأنس فهم به ليفرد بالأمر فهرب يأنس واختفى وتفرق الديلم واختفى القائد ثم قبض عليه ونفاه وقبض على يأنس بعد أيام وصادره على مائة ألف دينار وقتله ولما قدم أبو الحسين البريدي إلى بغداد مستأمنا إلىتورون فأمنه وطلب الإمداد على ابن أخيه وبذل في ذلك أموالا ثم بعث ابن أخيه من البصرة بالأموال فأقره على عمله وشعر أبو الحسن بذلك فسعى عند ابن تورون في ابن شيرزاد إلى أن قبض عليه وضرب واستظهر أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي بفتاوى الفقهاء والقضاة بإباحة دم أبي الحسين كانت عنده من أيام ناصر الدولة وأحضروا بدار المتقي وسئلوا عن فتاويهم فاعترفوا بأنهم أفتوا بها فقتل وصلب ثم أحرق ونهب داره وكان ذلك منتصف ذي الحجة من السنة وكان ذلك آخر أمر البريديين.
|